سورة النمل - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ} وهو المارد القوي، قال وهب: اسمه كوذى وقيل: ذكوان، قال ابن عباس: العفريت الداهية. وقال الضحاك: هو الخبيث. وقال الربيع: الغليظ، قال الفراء: القوي الشديد، وقيل: هو صخرة الجني، وكان بمنزلة جبل يضع قدمه عند منتهى طرفه، {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} أي: من مجلسك الذي تقضي فيه، قال ابن عباس: وكان له كل غداة مجلس يقضي فيه إلى منتهى النهار، {وَإِنِّي عَلَيْهِ} أي: على حمله، {لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} على ما فيه من الجواهر، فقال سليمان: أريد أسرع من هذا. فـ {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} واختلفوا فيه فقال بعضهم هو جبريل. وقيل: هو ملك من الملائكة أيد الله به نبيه سليمان عليه السلام. وقال أكثر المفسرين: هو آصف بن برخيا، وكان صديقا يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى. وروى جويبر، ومقاتل، عن الضحاك عن ابن عباس قال: إن آصف قال لسليمان حين صلى: مد عينيك حتى ينتهي طرفك، فمد سليمان عينيه، فنظر نحو اليمين، ودعا آصف فبعث الله الملائكة فحملوا السرير من تحت الأرض يخدون به خدا حتى انخرقت الأرض بالسرير بين يدي سليمان.
وقال الكلبي: خر آصف ساجدا ودعا باسم الله الأعظم فغاب عرشها تحت الأرض حتى نبع عند كرسي سليمان. وقيل: كانت المسافة مقدار شهرين. واختلفوا في الدعاء الذي دعا به آصف، فقال مجاهد، ومقاتل: يا ذا الجلال والإكرام. وقال الكلبي: يا حي يا قيوم. وروي ذلك عن عائشة. وروي عن الزهري قال: دعاء الذي عنده علم من الكتاب: يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت ائتني بعرشها. وقال محمد بن المنكدر: إنما هو سليمان، قال له عالم من بني إسرائيل آتاه الله علما وفهما: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} قال سليمان: هات، قال: أنت النبي ابن النبي، وليس أحد أوجه عند الله منك، فإن دعوت الله وطلبت إليه كان عندك، فقال: صدقت، ففعل ذلك، فجيء بالعرش في الوقت.
وقوله تعالى: {قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} قال سعيد بن جبير: يعني: من قبل أن يرجع إليك أقصى من ترى، وهو أن يصل إليك من كان منك على مد بصرك. قال قتادة: قبل أن يأتيك الشخص من مد البصر. وقال مجاهد: يعني إدامة النظر حتى يرتد الطرف خاسئا. وقال وهب: تمد عينيك فلا ينتهي طرفك إلى مداه، حتى أمثله بين يديك، {فَلَمَّا رَآهُ} يعني: رأى سليمان العرش، {مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} محمولا إليه من مأرب إلى الشام في قدر ارتداد الطرف، {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ} نعمته، {أَمْ أَكْفُرُ} فلا أشكرها {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} أي: يعود نفع شكره إليه، وهو أن يستوجب به تمام النعمة ودوامها، لأن الشكر قيد النعمة الموجودة وصيد النعمة المفقودة، {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ} عن شكره، {كَرِيمٌ} بإفضال على من يكفر نعمه.


قوله تعالى: {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} يقول: غيروا سريرها إلى حال تنكره إذا رأته، قال قتادة ومقاتل: هو أن يزاد فيه وينقص، وروى أنه جعل أسفله أعلاه وأعلاه أسفله، وجعل مكان الجوهر الأحمر أخضر ومكان الأخضر أحمر، {نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي} إلى عرشها فتعرفه، {أَمْ تَكُونُ مِنَ} الجاهلين، {الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ} إليه، وإنما حمل سليمان على ذلك كما ذكره وهب ومحمد بن كعب وغيرهما: أن الشياطين خافت أن يتزوجها سليمان فتفشى إليه أسرار الجن وذلك أن أمها كانت جنية، وإذا ولدت له ولدا لا ينفكون من تسخير سليمان وذريته من بعده، فأساؤا الثناء عليها ليزهدوه فيها، وقالوا: إن في عقلها شيئا وإن رجلها كحافر الحمار وأنها شعراء الساقين فأراد سليمان أن يختبر عقلها بتنكير عرشها وينظر إلى قدميها ببناء الصرح.


{فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} قال مقاتل: عرفته لكنها شبهت عليهم كما شبهوا عليها. وقال عكرمة: كانت حكيمة لم تقل: نعم، خوفا من أن تكذب، ولم تقل: لا خوفا من التكذيب، قالت: كأنه هو، فعرف سليمان كمال عقلها حيث لم تقر ولم تنكر. وقيل اشتبه عليها أمر العرش، لأنها تركته في بيت خلف سبعة أبواب مغلقة والمفاتيح معها، وقيل لها: فإنه عرشك فما أغنى عنك إغلاق الأبواب، فقال: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ} بصحة نبوة سليمان بالآيات المتقدمة من أمر الهدية والرسل، {مِنْ قَبْلِهَا} من قبل الآية في العرش {وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} منقادين طائعين لأمر سليمان. وقيل قوله: {وأوتينا العلم من قبلها} قاله سليمان، يقول: وأوتينا العلم بالله وبقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرأة، وكنا مسلمين، هذا قول مجاهد. وقيل: معناه وأوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها وكنا مسلمين طائعين لله عز وجل. قوله عز وجل: {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي: منعها ما كانت تعبد من دون الله، وهو الشمس، أن تعبد الله، أي: صدها عبادة الشمس عن التوحيد وعبادة الله، فعلى هذا التأويل يكون {ما} في محل الرفع.
وقيل: معناه صدها عن عبادة الله لا نقصان عقلها كما قالت الجن: إن في عقلها شيئا، بل كانت تعبد من دون الله. وقيل: معناه وصدها سليمان ما كانت تعبد من دون الله، أي: منعها ذلك وحال بينها وبينه، فيكون محل {ما} نصبا. {إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ} هذا استئناف، أخبر الله تعالى أنها كانت من قوم يعبدون الشمس، فنشأت بينهم ولم تعرف إلا عبادة الشمس.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10